بسم الله الرحمن الرحيم
وصـــايـا للأمـــراءالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه، أما بعد:
فيا أخي المجاهد هذه بعض النصائح، جمعتُها لكَ من أفواهِ الرجالِ وبطونِ الكتبِ، ولست أَدَّعي حِكْمَةً، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بها، والله من وراء القصد.
1) الإخلاصُ لله؛ ففيه النجاةُ في الدنيا والآخرة؛ قالَ رَسُولَ اللَّهِ :: (تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ).
- واقصِد بعملك أن تكون كلمة الله هي العليا؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ .. عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ :: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
2) العدلُ والنصحُ لرعيتك؛ فـ (مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا لَا يَفُكُّهُ إِلَّا الْعَدْلُ أَوْ يُوبِقُهُ الْجَوْرُ)، و(مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ)، و(لَا يَسْتَرْعِي اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).
3) المشورة والمناظرة: فالمناظرة صِنْوُ المشاورة أي: الجلوسُ لطرح الأفكار في مجلس، وتعليقُ كل شخص على رأي الآخر أو استحداثُ رأي جديد، ثم يتبلورُ في النهاية الرأي الصواب.
- قال تعالى: )وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(؛ فقد وجَّه الله نبيه ليشاور من هو دونه مع رجاحة عقل النبي .. فكيف بكم؟
- وكما روي: [ما ندم من استشار، وما خاب من استخار]، وقيل: [من استغنى بعقله ضلَّ، ومن اكتفى برأيه زَلّ، ومن استشار ذوي الألبابِ سَلَكَ سبيلَ الصواب، ومن استعان بذي العقول فاز بِدَرك المأمول].
- فليكن لكل أميرٍ مجلسُ شورى حقيقيٌّ بَدءاً من الأمير العامِّ وانتهاءً بأمراء السرايا، ولكن لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها، ولا من تتلمَّس أنه يَطْمَع فيها، ولا مَن لا يُقَلِّبُ الفكرَ في الرأي؛ فقد قيل: "دع الرأي حتى يَخْتَمِر"، وقد ورد عن علي t: [رأيُ الشيخ خيرٌ من مَشْهَد الغلام]؛ أي في القتال، ولا تَسْتَشِرْ إلا خالياً: أي على انفرادٍ؛ فإنه أحفظُ للسر، وأضبطُ لمن قد يُفْشِيْه.
- حقاً! [إن المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة لا يَضِلُّ معهما رأي].
4) إياك وأن تُقَدِّمَ من يُوافِقُكَ الرأيَ فحسبُ، واحذَرْ من بِطانة السوء، وعَوِّدْ نفسك الصبرَ على من خالفَك الرأيَ من ذوي النصح، وتَجَرَّعْ مرارة قولِهم وعَذْلِهم، ولا تَنْبَسِطْ في ذلك إلا لأهل الفضل والعقل والسن والمروءة والستر.
5) ليس أضيعَ للدين والدنيا من أن يَضيعَ من الأمير أخبارُ رعيته على حقيقتها؛ فلا تَحْتَجِبْ عنهم؛ فإنما أنت بشر لا تعلم ما يُوارِيْه الناس عنك، وإياكَ والتذرعَ بالأمنِ؛ فتَأْمَنَ وتُضِيْعَ مَنْ تَحْتَك؛ فبِئْسَ الأميرُ أنت إذنْ.
- وقِفْ على كل شيء بنفسك بعد توليةِ الأمناء النصحاء؛ فقد يخون الأمين ويَغُشُّ الناصح فتثبتوا من الأمور؛ قال تعالى: { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ، [فلم يقتصر تعالى على التعريضِ دون المباشَرة، ولا عَذَرَ في التشاغل اكتفاءً بالاستنابة حتى قَرَنَهُ بالضلالة].
- ولا تَعْجَلَنَّ إلى تصديقِ ساعٍ يريد الإفساد، فإنَّ مِثْلَه غاشٌّ وإن تَشَبَّه بالناصحين، ولا تُهْمِلْ قولَه؛ فقد يكون صادقاً، وأحسن الظن بإخوانك؛ فإن إحسانَ الظن يَقْطَعُ عنك نَصَباً طويلاً.
6) ينبغي للأمير أن يأخذ نفسه وجنَده بما أوجبه اللهُ تعالى من حقوقٍ، وأمرَ به من حدود؛ [فإنَّ من جاهد عن الدين كان أحقَّ الناس بالتزام أحكامِه]، ولكنك لن تُصْلِحَ وأنت فاسد، ولن تُرشِد وأنت غاوٍ، ولن تهديَ وأنت ضال، فكيف يَقْدِرُ الأعمى على الهدى والذليلُ على العِزِّ؟ ولا أَذَلَّ مِنْ ذُلِّ المعصيةِ، ولا أَعَزّ مِن عِزِّ الطاعةِ، فتَرَفَّعْ عن سَفاسِفِ الأخلاقِ وصحبةِ الفساق.
7) إياكَ وأن يَدْعُوَكَ ضيقُ أمركَ في شيء إلى طلبه بغير الحق؛ فإنّ صبرَك على ضيقٍ ترجو انفراجَه وفضلَ عاقبتِه خيرٌ من معصية تخاف تَبِعَتَها؛ ومدار الدين على الصبر.
8) إياك وأن تُمَيِّزَ نفسَكَ بمركَب أو مَلْبَس؛ فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: [...وقد بَلَغَنِي أنه فَشَا لك ولأهلِ بيتِك هيئةٌ في لباسك ومطعمك ومركَبك، ليس للمسلمين مثلُها، فاياك يا عبد الله أن تكونَ بمنزلة البهيمة مَرَّتْ بوادٍ خِصْب ، فلم يكن لها هَمٌّ إلا التسمُّن، وإنما حَتْفُها في السِّمَن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيتُه، وأشقى الناس من شَقِيَتْ به رعيتُه].
9) اعلموا أن الحرب كما قالوا: ثِقالُها الصبر، وقُطْبُها المكر، ومدارها الاجتهاد، وثِقافُها الأَناة، وزِمامُها الحذر، ولكل شيء من هذه ثمرة: فثمرة الصبر التأييد، وثمرة المكر الظَّفَر، وثمرة الاجتهاد التوفيق، وثمرة الأناة اليُمْن، وثمرةُ الحذر السلامة، وقد سئل عمرو بن مَعْدِيْكَرِبَ عن الحرب فقال: [من صبر فيها عرف، ومن نَكَلَ عنها تَلِفَ]؛ فإياكم والعجلةَ فَرُبَّ عَجَلةٍ تُعْقِبُ نَدَماً.
10) قَدِّمْ أهلَ البلاءِ والشدةِ على الأعداءِ حالَ اصطلامِ القتالِ، ووزعهم على السرايا ليتقوى بهم الضعيف ويتجرأَ بشجاعتهم الجبان، وإياك وأن يَصْحَبَ إخوانَكَ مُخَذِّلٌ أو مُرْجِفٌ، والحذرَ الحذرَ من العيون والجواسيس، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، ولكن لا تَنْتَقِ في الغزو الأقوياءَ وتَتْرُكَ الضعفاءَ الراغبين بما عند الله؛ فإن النبي r قال: (وهل تُنْصَرون وتُرْزَقون إلا بضعفائكم)، وإن الله يَنصر القوم بأضعفهم.
11) لا تُهْمِلْ من العُدَّة ما يمكن أن يُتَّخَذَ كالدروع والخُوَذ، وليس ذلك من الجبن فقد كان أشجعُ الناس رسولُ الله r له درع، ولا يمنع هذا من المقاتلة حاسراً في وقته المناسب، قال حبيب بن المهلب: [ما رأيت رجلاً في الحرب مُسْتَلْئِماً إلا كان عندي رجلين، ولا رأيتُ حاسرَيْن إلا كانا عندي واحداً]، فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة فقال: [صدق! إن للسلاح فضيلة؛ أما تراهم ينادون عند الصريخ: السلاحَ السلاحَ، ولا ينادون: الرجالَ الرجالَ].
12) إنه لأمير حكيم من يُزَوِّدَ إخوانَه من المُؤَنِ ما تَقْوَى به نفوسهم طُوالَ يومِهم من طعام وشراب؛ فقد كان مقاتلو أحد قواد الأفغان المعادي لطالبان إذا فَتَّشْنا جيوبهم وَجَدْنا فيها الزبيبَ.
13) ينبغي على الأمير أن يُحَدِّد لكل مفرزة أميرَها، وأن يتفقد سياراتِ وأسلحةَ إخوانِه ومُؤَنَها، وخاصةً قبل الغزوات، فلا يُدْخِلُ فيها ما تَعْجِزُ عنه حالَ الجِدِّ والشدة، ولا يُخْلِ منها ما تحتاجُه حالَ العطبِ وطولِ المسافة، وخاصةً إذا تَوقَّع طولَ المعركة.
14) ينبغي ألا يزيدَ عددُ المقاتلين في السيارة الواحدة عن الثلاثة، إلا ما تَرَجَّحَتْ مصلحتُه، وأن يُؤَمِّنَ اتصالاً أمنياً مدروساً بين السرايا، ويضعَ لهم شِفْرةً لكلامهم، وشعاراً لقتالِهم.
15) على الأمير أن يُسْمِعَ رعيتَه وجندَه ما يقوي نفوسَهم ويُشْعِرُهم بالظَّفَر على عدوهم، ويَسْرُدَ عليهم من أسباب النصر ما يحتقرون به عدوهم، قال الله تعالى: { إِذْ يُرِيْكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ}
16) ينبغي للأمير أن يدرسَ موقعَ القتال جيداً فلا يقاتلُ من موقع يَسْهُل الالتفاف عليه دون أن يَسُدَّ الثغرة، ولا يَبْعُدُ بجنوده بعداً يستحيل عليه أن يعود بهم آمنًا.
17) قال :: (الحرب خَدْعَة)، وقال المُهَلَّب: [عليكم بالمكيدة في الحرب؛ فإنها أَبْلَغُ مِنَ النَّجْدَة]؛ ومِن المكيدة:
أ- إفشاء العيون. ب- استطلاع الأخبار.
ج- التورية في الغزوات؛ فقد كان النبي r إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها:
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه * فصدر الذي يُسْتَوْدَعُ السـرَّ أَضْيَقُ
- واحذر عدوك على كل حال لئلا:
أ- يَثِبَ عن قُرب. ب- أو يُغِيْرَ من بُعْد.
ج- أو يَكْمُن عن غِرَّة. د- أو يَتْبَعَ بعد رجوع.
18) من علامات خبرة الأمير وحِنكته انتهازُ الفرص؛ [فإنها تمر مَرَّ السحاب، ولا تَطْلُبُوا أثراً بعد عين]، وثِبْ عند رأسِ الأمر ولا تَثِبْ عند ذنبه.
إذا هبَّتْ رياحك فاغتنمها * فإن لكـلِّ خافقةٍ سـكون
19) يجوز لأمير الجيشِ أن يُعَرِّضَ للشهادةِ من الراغبينَ فيها مَنْ يعلمُ أن في قتلِهِ في المعركة تحريضاً للمسلمين على القتال حَمِيَّةً له، والعكس صحيح: أن يَحْفَظَ من بقتلِه كسرٌ لشوكة إخوانه؛ كالقائد المتميز؛ لذا كان موقع القلبِ أحصنَ الأماكن وأبعدَها عن العدو.
20) لا تَأْذَنْ لإخوانك أن يَقْتُلوا أو يَأْسِروا ما قد يُفَرِّقُ صفَّهم وتختلفُ بسببه كلمتُهم، حتى وإن كان جائزاً من وجه من الوجوه؛ فوَحْدة الكلمة حال القتال مصلحة راجحة لا يَعْدِلُها شيء.
21) إياكم والدماءَ، إياكم والدماءَ وسفكَها بغير حقها؛ فلا شيءَ أسرعُ لجلب نقمةٍ وزوالِ نِعْمةٍ من سفكِ الدماءِ بغير حقِّها، وإياكَ وأن تُقَوِّيَ أمرَكَ وجندَك بدمٍ حرام؛ فإن هذا عاجلٌ آجلُه ضَعْفٌ ووهَن، فلا عذرَ لك عند الله ولا عندنا، ووالله لا يُرْفَعُ إلينا دمٌ سُفِكَ من معصومٍ من أهل السنة بغير بينةٍ على ارتكابه ما يَهْدُر دمه ولا شُبْهةٍ إلا انْتَصَفْنا له.
22) لا يَغُرَّنَّكَ سهولةُ عمليةٍ ما؛ فقد يكونُ المنحدَرُ بعدها وعْراًً؛ وعليه فليكن فِكْرُكَ ليومِك وغدِك؛ فليس أضرَّ على الناس من أميرٍ يُفَكِّرُ فقط ليومه.
23) كافِئِ المحسنَ على إحسانِه، وأَكْرِمِ السريةَ بعدَ الظفَرِ، وشَرِّفِ الشجاع على رؤوس الناس، وبالمقابل: وعاقِبِ المسيءَ على إساءتِه ولو بالهجر؛ إذ يجوز للأمير أن يؤدبَ العاصيَ لأمره، فإنْ لم تَفْعلْ تَهاونَ المحسنُ واجْتَرَأَ المسيءُ وفسدَ الأمر وضاع العمل.
- وليكنْ إحسانُك إلى المحسن على الملأ، وعقابُك للمسيء سراً؛ وخاصة لأهل الفضل منهم، أما أهل الفساد فعلى رؤوس الناس، وبه جاءت الشريعة.
- وإياك إياكَ والإسرافَ في عقوبةٍ أو الندم على عَفْو، وإياك والغلظةَ المنفرة؛ فإن الشريعة تعاقِبُ لتُصْلِح لا لتَتَشَفَّى، واحترس ساعةَ الغضب من كلمةٍ لا تَرْجِع؛ فرُبَّ كلمةٍ قالت لصاحبها: "دَعْني"، ولا تَجْعَلْ قولَك أيها الأمير لَغْواً في عقوبةٍ ولا عَفْوٍ، ولا تتجاوز في عقوبتِك -بِتَعَدٍّ وهَوًى- ما حَدَّه اللهُ لك؛ فـ(الظلم ظلمات يوم القيامة) .
- فعليك يا أخي بالرِّفْقِ في أمرك كلِّه حتى في العقوبة؛ قال تعالى:{ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
- وقال :: (مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ) ، وقال :: (إن هذا الدين مَتين؛ فأوغلوا فيه برفق) .
24) اعلم أن إخوانَكَ يَسْمَعُون ويُطيعون رغبةً فيما عند الله؛ فالتزامُهم شرعيٌّ أخلاقيٌّ أكثرَ منه رهبةً من سلطان؛ فلا تُؤَدِّبْ إلا من تَظُنُّ أن له ديناً يَتَقَبَّلُه، أمّا من تَظُنُّ أن دينَه لا يَردعُه فإياك وأن تعاقبَه بل تَلَطَّفْ به وتَأَلَّفْهُ؛ فأحقُّ الناس بالعفوِ أقدرُهم على العقوبةِ، وأنقصُ الناسِ عقلاً وقَدْراً مَن ظَلَمَ مَن هو دونَه، فأَنْصِفِ اللهَ وأنصفِ الناسَ من نفسك وأهلك وممن تُحِبُّ من إخوانِك ورعيتِكَ، وإن لم تفعل تَظْلِم، ومَن ظَلَمَ عباد الله كان الله خصمَه، ومن كان الله خصمه كان حرباً عليه حتى يتوبَ ويَنْزِعَ، فاتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليسَ بينَها وبين اللهِ حجاب، وإنّ أبوابَ السماءِ مفتَّحَةٌ لها، وليكنْ من وَقْتِكَ ساعةٌ في النهار تُفَكِّر فيها هل ظلمتَ أحداً أو أن هناك مظلوماً عليك أن تننصر له؟ ومن شاء تعجُّلَ غضب الله فلْيَظْلم!
25) امْلِكْ إخوانَك والناسَ بالإحسانِ تَظْفَرْ بقلوبِهم؛ فإنّ دوامَ المحبةِ بالإحسان وزوالَها بالتَّعَسُّف، وتَوَدَّدْ إلى عامة الناس تَخْلُصْ لك محبتُهم، وتَنَلِ الكرامةَ منهم؛ فإنّ التوددَ من القويِّ تواضعٌ.
-وقد كان عمر بن عبد العزيز يَرْفُق بالناس أيَّما رِفْقٍ؛ فكان إذا أراد الأمر من أمر الله يظن أن الناس تكرهه انتظر حتى يأتيَ ما يُحِبُّه الناسُ فيُخْرِجُه معه، وقد ورد عنه: [إن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أَحْمِلَ الناس على الحق جُملةً فيَدَعُوه، وتكونُ فتنةٌ].
26) اعْرِفوا قَدْرَ الناسِ واعلموا أصنافَهم، وقَدِّمُوا الرجلَ لكونه:
أ- مِنْ أهل العلم والفضل؛ والنصوصُ في فضلهم كثيرة.
ب- مِنْ أهل السِّنّ: فـ (ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرَنا، و يَعْرفْ لعالِمنا حقَّه).
ج- مِنْ آل بَيْتِ شَرَفٍ وسُؤْدُد؛ وعلى رأسهم آل بيت النبوة.
27) تَفَقَّدْ أُسَرَ الشهداءِ والأسارى وقَدِّمْهُم على مَن سواهم، وعُدِ المريضَ، وكن مع إخوانك كالخادم لهم؛ فإنما أنت رجلٌ منهم غيرَ أنك أثقلُهم حِمْلاً وأكثرُهم عند الله حساباً؛ فاعمَلْ لغَدٍ.
28) أَحْسِنِ اختيارَ رسولِكَ إلى العشائرِ والجماعاتِ المسلحةِ، وكذلك مَن يقومُ بأمرِ "السّيْطراتِ" ومساءَلةِ الناس؛ فإنهم وُجُوْهُ الدولةِ لدى الناسِ، إنْ أَحْسَنوا أحسنَّا، وإن أساؤوا أَسَأْنا، وعلى الجُمْلَة: "أَرْسِلْ حكيماً ولا تُوْصِه".
29) إياكَ أيها الأمير والعصبياتِ الجاهليةَ؛ فإن المُلْكَ الراسخَ البناءِ لا يَهدِمُه إلا العصبيةُ الغالية، واستعمِلِ الذكاء والحيلةَ في تفكيكِها وليسَ القوةَ فحَسْبُ؛ فإن أهل العراق خرجوا على عبد الملك بن مروان مع ابن الأشعث وفيهم جملةٌ من خيار التابعين كسعيد بن جبير وأمثالِه فهزمهم الحجاج في "دَيْر الجماجم" بالحيلة أكثرَ منه بالقوة، واعلم أن من السياسةِ الحكيمةِ التعجيلَ بالأخذ على هؤلاء وخاصة الرؤوس.
30) عليكم بالجد والاجتهاد وعلوِّ الهمة، وإياكم والعجزَ؛ فإنه -واللهِ- أَذَلُّ مركَب، ومهما تَعَثَّرْتَ فأَعِدِ المحاولة؛ فقد عُلِمَ من التجربة أنه ما مِن عمل يَفْتَحُ الله فيه إلا وتَعْتَرِيْهِ العَثَرَاتُ والعَثَرَاتُ.
أخوكم
أبو حمزة المهاجر
11/رمضان/1428والله أكبر
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
دولة العراق الإسلامية /وزارة الإعلام
المصدر: (مركز الفجر للإعلام)